فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإن أردت أن تمتحن ذهنك في بعض أسرارها فتأمل سر افتتاحها واختتامها بحرفين شفويين ومع كل ألف صورية متصلة بأول الأول وآخر الآخر وتحت الأول دائرة غيبية ظهرت في صورة الثاني وسر ما وقع فيها من أنواع التثليث أما أولًا ففي مخارج الحروف فإنها ثلاثة الشفة واللسان والحلق في الباء واللام والهاء.
وأما ثانيًا ففي المحذوف من حروفها فإنها ثلاثة أيضًا ألف الاسم وألف الله وألف الرحمن.
وأما ثالثًا ففي المنطوق منها والمرسوم فإنه ثلاثة أنواع أيضًا منطوق بها مرسوم كالباء ومنطوق به غير مرسوم كألف الرحمن ومرسوم غير منطوق به كاللام منه مثلًا، وأما رابعًا ففي المتحرك والساكن، فمتحرك لا يسكن كالباء وساكن لا يتحرك كالألف، وقابل لهما كميم الرحيم وقفًا ووصلًا، وأما خامسًا ففي أنواع كلماتها الملفوظة والمقدرة فهي على رأي اسم وفعل وحرف، وأما سادسًا ففي أنواع الجر الذي فيها فهو جر بحرف وبإضافة وبتبعية على المشهور، وأما سابعًا ففي الأسماء الحسنى التي دبحتها فهي الله والرحمن والرحيم، وأما ثامنًا ففي العاملية والمعمولية فكلمة عاملة غير معمولة ومعمولة غير عاملة وعاملة معمولة، وأما تاسعًا ففي الاتصال والانفصال فمتصل بما بعده فقط وبما قبله فقط وبما بعده وقبله، وفي كل واحد من هذه الثلاثيات أسرار تحير الأفكار وتبهر أولي الأبصار وانظر لم اشتملت حروفها على الطبائع الأربع وتقدم في الظهور الهواء ولم كانت تسعة عشر، ولم أعتنق اللام الألف واتصلت الميم باللام والهاء بالراء والنون بها نطقًا لا خطًا ولم فتح ما قبل الألف حتى لم يتغير في موضع أصلًا؟ وتفكر في سر تربيع الألفاظ وسكون السين وتحرك الميم ونقطتي الياء ونقطة النون والباء، والأمر وراء ما يظنه أرباب الرسوم ونهاية ما ذكروه البحث عن المدلولات وتوسيع دائرة المقال بإبداء الاحتمالات، وقد صرح السرميني بإبداء خمسة آلاف وثلثمائة ألف وأحد وتسعين ألفًا وثلثمائة وستين احتمالًا وزدت عليه من فضل الله تعالى حين سئلت عن ذلك بما يقرب أن يكون بمقدار ضرب هذا العدد بنفسه والدائرة أوسع إلا أن الواقع البعض، ولقد خلوت ليلة بليلي هذه الكلمة وأوقدت مصباح ذلي في مشكاة حضرتها المكرمة وفرشت لها سري وضممتها سحرًا إلى سحري ونحري:
فكان ما كان مما لست أذكره ** فظن خيرًا ولا تسأل عن الخبر

وأما الوجه الثاني: فلتعليم العباد إذا بدءوا بأمر كيف يبدءون به ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة وأخرجه الحافظ عبد القادر الرهاوي: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» والبال الحال والشأن فمعنى ذي بال شريف يحتفل به ويهتم كأنه شغل القلب وملكه حتى صار صاحبه، وقيل شبه الأمر العظيم بذي قلب على سبيل الاستعارة المكنية والتخييلية، وفي هذا الوصف فائدتان إحداهما رعاية تعظيم اسم الله تعالى لأن يبتدئ به في الأمور المعتد بها.
والأخرى التيسير على الناس في محقرات الأمور كذا قالوه، وعندي أن الأظهر جعل الوصف للتعميم كما في قوله تعالى: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 8 3] أي كل أمر يخطر بالبال جليلًا كان أو حقيرًا لا يبدأ به إلخ.
وفي هذا غاية الإظهار لعظمة الله تعالى وحث على التبري عن الحول والقوة إلا بالله وإشارة إلى أن قدر العباد غير مستقلة في الأفعال فحمل تبنة كحمل جبل إن لم يعن الله الملك المتعال وقد أمر سبحانه وتعالى بالإكثار من ذكره فقال تعالى: {فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 00 2] وحيث لم يجب ذلك كما هو معلوم يحصل للناس تيسير، وقد سن صلى الله عليه وسلم بعض الأشياء ونفى لحرج بنفي وجوبها وفي قوله عليه الصلاة والسلام: «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله» وما روي: «أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام يا موسى سلني حتى ملح قدرك وشراك نعلك» ما يدفع عنك توهم عدم رعاية التعظيم في ذكره تعالى عند محقرات الأمور وأي فرق عند المنصف بين ذكره سبحانه عندها وطلبها منه.
على أن العارف الجليل لا يقع بصره على شيء حقير: {مَّا ترى في خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِير} [الملك: 3، 4] نعم التسمية على الحرام والمكروه مما لا ينبغي بل هي حرام في الحرام لا كفر على الصحيح مكروهة في المكروه وقيل مكروهة فيهما إن لم يقصد استخفافًا وإن قصده والعياذ بالله تعالى كفر مطلقًا وهذا لا يضر فيما قلناه كما لا يخفى.
وقد اضطرب الحديث هنا فوقع في بعض الروايات «لا يبدأ فيه بالحمد لله» وفي بعضها «بحمد الله» وفي البعض «أجذم» وفي أخرى «أقطع» وفي خبر «كل كلام» وفي أثر «يبدأ» وفي آخر «يفتتح» وفي موضع وضع الذكر بدل الحمد إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع حتى قيل إنه مضطرب سندًا ومتنًا ولولا أنه في فضائل الأعمال ما اغتفر فيه ذلك على أنه تقوى بالمتابعة معنى أيضًا والشهرة في دفع التعارض بين الروايات تغني عن التعرض للاستيفاء، واستحسن فيه أن روايتي البسملة والحمدلة تعارضتا فسقط قيداهما كما في مسألة التسبيع في الغسلات عند الشافعي ورجع للمعنى الأعم وهو إطلاق الذكر المراد منه إظهار صفة الكمال وقيل إن المراد في كل رواية الابتداء بأحدهما أو بما يقوم مقامه ولو ذكرًا آخر بقرينة تعبيره تارة بالبسملة وأخرى بالحمدلة وطورًا بغيرهما ولا يرد على كل أنا نرى كثيرًا من الأمور يبدأ فيه بما ورد في الحديث مع أنه لا يتم ونرى كثيرًا منها بالعكس لأنا نقول المراد من الحديث ألا يكون معتبرًا في الشرع فهو غير تام معنى وإن كان تامًا حسًا فباسم الله تعالى تتم معاني الأشياء ومن مشكاة {بسم الله الرحمن الرحيم} تشرق على صفحات الأكوان أنوار البهاء:
ولو جليت سرًا على أكمه غدا ** بصيرًا ومن راووقها تسمع الصم

ولو أن ركبًا يمموا ترب أرضها ** وفي الركب ملسوع لما ضره السم

ولو رسم الراقي حروف اسمها على ** جبين مصاب جن أبرأه الرسم

وفوق لواء الجيش لو رقم اسمها ** لأسكر من تحت اللوا ذلك الرقم

. اهـ.

.قال القاسمي:

{بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.
قال الإمام ابن جرير: إنَّ الله تعالى ذكره، وتقدست أسماؤه، أدّب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسماءه الحسنى أمام جميع أفعاله، وتقدم إليه في وصفه بها قبل جميع مهماته، وجعل- ما أدّبه به من ذلك، وعلّمه إياه- منه لجميع خلقه: سنة يستنون بها، وسبيلًا يتبعونه عليها، افتتاح أوائل منطقهم، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم، حتى أغنت دلالة ما ظهر، من قول القائل: بسم الله، على ما بطن من مراده الذي هو محذوف، وذلك أن الباء مقتضية فعلًا يكون لها جالبًا، فإذا كان محذوفًا يقدّر بما جُعلت التسمية مبدأ له.
والاسم هنا بمعنى التسمية- كالكلام بمعنى التكليم، والعطاء بمعنى الإعطاء- والمعنى: أقرأ بتسمية الله وذكره، وافتتح القراءة بتسمية الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى. و: {اللَّهُ} علم على ذاته، تعالى وتقدس؛ قال ابن عباس: هو الذي يألهه كل شيء ويعبده، وأصله: إلاه؛ بمهنى مألوه أي: معبود، فلما أُدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفًا لكثرته في الكلام، وبعد الإدغام فخّمت تعظيمًا- هذا تحقيق اللغويين. و: {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} قال الجوهري: هما اسمان مشتقان من الرحمة، ونظيرهما في اللغة: نديم وندمان؛ وهما بمعنى. ويجوز تكرير الاسمين إذا اختلف اشتقاقهما على جهة التوكيد، كما يقال: جادّ مجد إلا أن: {الرَّحْمَنُ} اسم متخصص بالله لا يجوز أن يسمى به غيره. ألا ترى أنه قال: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110] فعادل به الاسم الذي لا يشركه فيه غيره.
وقد ناقش في كون: {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} بمعنى واحد، العلامة الشيخ محمد عبده المصري في مباحثه التفسيرية قائلًا: إن ذلك غفلة، نسأل الله أن يسامح صاحبها- ثم قال: وأنا لا أجيز لمسلمٍ أن يقول، في نفسه أو بلسانه: إن في القرآن كلمة جاءت لتأكيد غيرها ولا معنى لها في نفسها، بل ليس في القرآن حرف جاء لغير معنى مقصود.
والجمهور: على أن معنى الرحمن: المنعم بجلائل النعم، ومعنى الرحيم: المنعم بدقائقها. وبعضهم يقول: إن الرحمن هو المنعم بنعم عامة تشمل الكافرين مع غيرهم، والرحيم المنعم بالنعم الخاصة بالمؤمنين، وكل هذا تحكم باللغة مبنيّ على أن زيادة المبني تدل على زيادة المعنى، ولكن الزيادة تدل على الوصف مطلقًا، فصيغة: {الرَّحْمَنُ} تدل على كثرة الإحسان الذي يعطيه، سواء كان جليلًا أو دقيقًا، وأما كون أفراد الإحسان التي يدل عليها اللفظ الأكثر حروفًا أعظم من أفراد الإحسان التي يدل عليها اللفظ الأقل حروفًا، فهو غير معنيّ ولا مراد، وقد قارب من قال: إن معنى: {الرَّحْمَنُ} المحسن بالإحسان العام. ولكنه أخطأ في تخصيص مدلول الرحيم بالمؤمنين، ولعل الذي حمل من قال: إن الثاني مؤكد للأول- على قوله هذا- وهو عدم الاقتناع بما قالوه من التفرقة، مع عدم التفطن لما هو أحسن منه، ثم قال: والذي أقول: إن لفظ: رحمن؛ وصف فعليّ فيه معنى المبالغة- كفعّال- ويدل في استعمال اللغة على الصفات العارضة- كعطشان وغرثان وغضبان- وأما لفظ: رحيم؛ فإنه يدل في الاستعمال على المعاني الثابتة، كالأخلاق والسجايا في الناس- كعليم وحكيم وحليم وجميل- والقرآن لا يخرج عن الأسلوب العربي البليغ في الحكاية عن صفات الله عز وجل التي تعلو عن مماثله صفات المخلوقين.
فلفظ: {الرَّحْمَنُ} ديل على من تصدر عنه آثار الرحمة بالفعل وهي إفاضة النعم والإحسان، ولفظ: {الرَّحِيْمُ} يدل على منشأ هذه الرحمة والإحسان، وعلى أنها من الصفات الثابتة الواجبة، وبهذا المعنى لا يستغني بأحد الوصفين عن الآخر، ولا يكون الثاني مؤكدًا للأول، فإذا سمع العربيّ وصف الله جل ثناؤه ب: {الرَّحْمَنُ} وفهم منه أنه المفيض للنعم فعلًا، لا يعتقد منه أن الرحمة من الصفات الواجبة له دائمًا- لأن الفعل قد ينقطع إذا كان عارضًا لم ينشأ عن صفة لازمة ثابتة- فعندما يسمع لفظ {الرحيم} يكمل اعتقاده على الوجه الذي يليق بالله تعالى ويرضيه سبحانه. انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

البسملة اسم لكلمة باسم الله، صيغ هذا الاسم على مادَّةٍ مؤلفة من حروف الكلمتين باسم والله على طريقة تسمى النَّحْت، وهو صوغ فعللِ مُضِيٍ على زنة فَعْلَل مؤلفةٍ مادِّتُه من حروف جملة أو حروففِ مركَّب إِضَافِيَ، مما ينطق به الناس اختصارًا عن ذكر الجملة كلها لقصد التخفيف لكثرة دوران ذلك على الألسنة.
وقد استعمل العرب النحت في النَّسَب إلى الجملة أو المركب إذا كان في النسببِ إلى صدر ذلك أو إلى عَجزه التباس، كما قالوا في النسبة إلى عبد شمس عَبْشَمِيّ خشية الالتباس بالنسب إلى عبدٍ أو إلى شمس، وفي النسبة إلى عبد الدار عَبْدَرِيّ كذلك وإلى حضرموت حضرمي قال سيبويه في باب الإضافة أي النسَب إلى المضاف من الأسماء: وقد يجعلون للنسب في الإضافة اسمًا بمنزلة جَعْفَري ويجعلون فيه من حروف الأول والآخر ولا يخرجونه من حروفهما ليُعْرَف اهـ، فجاء من خلفهم من مولدي العرب واستعملوا هذه الطريقة في حكاية الجمل التي يكثر دورانها في الألسنة لقصد الاختصار، وذلك من صدر الإسلام فصارت الطريقة عربية.
قال الراعي:
قَوم على الإسلام لَمَّا يمنعوا ** ما عونَهم ويُضيِّعوا التَهْلِيلا

أي لم يتركوا قول: لا إله إلا الله.
وقال عُمر بن أبي ربيعة:
لقد بسملت ليلَى غداةَ لقيتُها ** ألا حَبَّذا ذاك الحبيبُ المُبَسْمِلُ

أي قالت بسم الله فَرَقًا منه، فأصل بسمل قال بسم الله ثم أطلقه المولدون على قول: {بسم الله الرحمن الرحيم} اكتفاء واعتمادًا على الشهرة وإن كان هذا المنحوتُ خِليًّا من الحاء والراء اللذين هما من حروف الرحمن الرحيم، فشاع قولهم بسمل في معنى قال: {بسم الله الرحمن الرحيم} واشتق من فعل بسمل مصدر هو البسملة كما اشتق من هَلَّل مصدر هو الهيللة وهو مصدر قياسي لفعلل.
واشتق منه اسم فاعل في بيت عمر بن أبي ربيعة ولم يسمع اشتقاق اسم مفعول.
ورأيت في شرح ابن هارون التونسي على مختصر ابن الحاجب في باب الأذان عن المطرز في كتاب اليواقيت: الأفعالُ التي نحتت من أسمائها سبعة: بَسْمَلَ في بسم الله، وسَبْحَلَ في سبحان الله، وحَيْعَلَ في حي على الصلاة، وحَوْقَلَ في لا حول ولا قوة إلا بالله، وحَمْدَلَ في الحمدُ لله، وهَلَّل في لا إله إلا الله، وجَيْعَل إذا قال: جُعلت فِداك، وزاد الطَّيْقَلَة في أَطال الله بقاءك، والدَّمْعَزَةَ في أدام الله عزك.
ولَما كان كثير من أئمة الدين قائلًا بأنها آية من أوائل جميع السور غير براءة أو بعض السور تعين على المفسر أن يفسر معناها وحكمها وموقعها عند من عدوها آية من بعض السور.